في إطار تنفيذ خطة عملها، وبالتعاون مع مجلس أوروبا، نظّمت المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات المؤتمر الإقليمي لسلطات حماية البيانات في البلدان الشريكة في برنامج الجنوب الخامس، وذلك من 15 إلى 17 أفريل 2025 بالعاصمة التونسية.

ويأتي تنظيم هذا المؤتمر في سياق التحول الرقمي المتسارع الذي جعل من حماية البيانات الشخصية أولوية عالمية وتحديًا رئيسيًا لحقوق الإنسان والديمقراطية والتنمية الاقتصادية. ويمثل هذا الحدث خطوة محورية نحو تعزيز التعاون الإقليمي في المنطقة الأورو-متوسطية، وتأسيس أرضية للتآزر المستقبلي بين المؤسسات المعنية بحماية المعطيات الشخصية.

وقد جمع المؤتمر، الذي يُعد الأول من نوعه في إطار الشراكة بين المنظمة ومجلس أوروبا، ثلاثين مشاركًا من ممثلي السلطات الوطنية لحماية البيانات الشخصية في الدول الشريكة، إلى جانب خبراء دوليين وفاعلين في القطاع الرقمي وممثلين عن مؤسسات عمومية وخاصة من المنطقة.

وتضمنت أشغال المؤتمر مناقشة الوضع القانوني الراهن في المنطقة، واستعراض التحديات المشتركة، وتبادل الرؤى بشأن توحيد الأطر التشريعية الوطنية بما يتماشى مع المعايير الدولية لمجلس أوروبا، خاصة اتفاقية رقم 108 الخاصة بحماية الأفراد من المعالجة الآلية للبيانات الشخصية، ونسختها المحدثة اتفاقية 108+. ويُذكر أن تونس كانت أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تنضم إلى الاتفاقية عام 2017، وتبعتها المغرب في 2019.

وشهد المؤتمر أيضًا تقديم دراسات حالة عملية، ونقاشات موسعة حول أدوار السلطات الإشرافية ومسؤولي حماية البيانات، إضافة إلى عرض أدوات بناء القدرات التي يوفرها مجلس أوروبا، ومنها برامج التدريب على حقوق الإنسان للمهنيين القانونيين (HELP)، وتعليم حقوق الإنسان للشباب (HEY).

وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، شدّد سعادة المهندس محمد بن عمر، المدير العام للمنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات، على أهمية تعزيز الحوكمة الرقمية وحماية الخصوصية في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة، مشيرًا إلى أن العالم اليوم يعيش في “عصر البيانات” حيث باتت البيانات موردًا استراتيجيًا رئيسيًا للابتكار، وصناعة القرار وتطوير السياسات والخدمات. كما أكد أن الخصوصية لم تعد قضية قانونية أو تقنية فحسب، بل أصبحت عنصرًا أساسيًا لبناء الثقة داخل المجتمعات الرقمية، داعيًا إلى اعتماد سياسات شاملة تضمن الحقوق الرقمية وتعزز السيادة الرقمية للدول.

وأشار سعادته إلى أن المؤتمر يمثّل منصة لتبادل الخبرات وتعزيز الشراكة بين الدول العربية والأوروبية، في إطار تعاون استراتيجي مع مجلس أوروبا يهدف إلى بناء بيئات رقمية آمنة وموثوقة. كما استعرض نتائج الدراسة الفنية التي أنجزتها المنظمة مؤخرًا حول واقع حماية البيانات الشخصية في الدول العربية، والتي أظهرت تقدمًا ملحوظًا في بعض الدول، مقابل تحديات مشتركة تتطلب مزيدًا من التنسيق وبناء القدرات وتحديث التشريعات.

من جهته، أكد السيد كريستيان بارثولين، رئيس وحدة حماية البيانات بمجلس أوروبا، على أهمية إرساء أطر قانونية متينة لحماية الحقوق الرقمية، مشيرًا إلى أن اتفاقية 108+ تُعد أداة عالمية لضمان الكرامة الإنسانية والخصوصية في العصر الرقمي. ودعا إلى تعزيز التعاون بين سلطات حماية البيانات في مواجهة التحديات العابرة للحدود، وتعزيز التنسيق القانوني، وبناء ديناميكية إقليمية مستدامة في هذا المجال الحيوي.